سلمان الفارسي

كيف أسلم؟

سلمان الفارسي

هو سابق الفرس، أبو عبد الله سلمان الفارسي رضي الله عنه عن عبد الله بن العاص قال: حدثني سلمان الفارسي قال: كنت رجلاً فارسيًا من أهل أصبهان، من أهل قرية يقال لها جيّ، وكان أبي دهقان قريته [أي زعيم فلاحي العجم]. وكنت أحب الخلق إليه. فلم يزل به حب إياي حتى حبسني في بيته كما تُحبس الجارية، واجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار الذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة.

قال: وكانت لأبي ضيعة عظيمة. قال: فشغل في بنيان له يومًا. قال لي: يا بني إني قد شغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي فاذهب فاطلعها، وأمرني فيها ببعض ما يريد. فخرجت أريد ضيعته فمررت بكنيسة من كنائس النصارى فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون، وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته. فلما مررت بهم وسمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون، قال: فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم ورغبت في أمرهم وقلت هذا والله خير من الذي نحن عليه، فوالله ما تركتهم حتى غربت الشمس وتركت ضيعة أبي ولم ءاتها فقلت لهم أين أصل، هذا الدين قالوا: بالشام. قال: ثم رجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كله. فلما جئته قال: أي بني أين كنت ألم أكن عهدت إليك ما عهدت قال قلت: يا أبت، مررت بناس يصلون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت، فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس، قال: أي بني ليس في ذلك الدين خير، دينك ودين ءابائك خير منه. قلت: كلا والله إنه لخير من ديننا، قال: فخافني فجعل في رجلي قيدًا ثم حبسني في بيته، قال: وبعثت إلى النصارى فقلت لهم: إذا قدم عليكم ركب من الشام تجارًا من النصارى، فأخبروني بهم، فقال: فقدم عليهم ركب من تجار النصارى، قال: فأخبروني بقدوم تجار فقلت لهم إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلادهم فأذنوني بهم، قال: فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم ألقيت الحديد من رجلي ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام فلما قدمتها قلت: من أفضل أهل هذا الدين قالوا: الأسقف في الكنيسة، قال: فجئته فقلت: إني قد رغبت في هذا الدين وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك وأتعلم منك وأصلي معك، قال: فادخل، فدخلت معه، قال: فكان رجل سوء، يأمرهم بالصدقة ويرغّبهم فيها فإذا جمعوا إليه منها شيئًا اكتنزه لنفسه ولم يعطه المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب. قال: وأبغضته بغضًا شديدًا لما رأيته يصنع. قال: ثم مات، فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه فقلت لهم: إن هذا كان رجل سوء يأمركم بالصدقة ويرغّبكم فيها فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه، ولم يعط المساكين منها شيئًا، قالوا: وما علمك بذلك، قلت: أنا أدلكم على كنزه، قالوا: فدلنا عليه، قال: فأريتهم موضعه، قال: فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبًا وورقًا، قال: فلما رأوها قالوا: والله لا ندفنه أبدًا، قال: فصلبوه ثم رجموه بالحجارة.

ثم جاؤوا برجل ءاخر فجعلوه مكانه فما رأيت رجلاً يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه وأزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة ولا أدأب ليلاً ونهارًا منه. قال: فأحببته حبًا لم أحبه من قبله فأقمت معه زمانًا ثم حضرته الوفاة. قلت له: يا فلان إني كنت معك فأحببتك حبًا لم أحبه من قبلك وقد حضرتك الوفاة فإلى من توصي بي، وما تأمرني قال: أي بني والله ما أعلم أحدًا اليوم على ما كنت عليه. لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلا رجلاً بالموصل وهو فلان، وهو على ما كنت عليه، فالحق به. قال: فلما مات وغُيّب لحقت بصاحب الموصل فقال له يا فلان إن فلانًا عند موته أوصاني وأمرني ونصحني ودلني أن ألحق بك وأخبرني أنك على أمره. قال: فقال لي: أقم عندي. قال: فأقمت عنده فوجدته خير رجل على أمر صاحبه فلم يلبث أن مات، فلما حضرته الوفاة قلت له: يا فلان إن فلانًا أوصى بي إليك وأمرني باللحوق بك وقد حضرك من أمر الله ما ترى فإلى من توصي بي وما تأمرني قال: أي بني والله ما أعلم رجلاً على مثل ما كنا عليه إلا رجلاً بنصيبين وهو فلان فالحق به. قال: فلما مات وغيب لحقت بصاحب نصيبين فجئت فأخبرته بما جرى وما أمرني به صاحبي قال: فأقم عندي فأقمت عنده فوجدته على أمر صاحبيه. فأقمت مع خير رجل، فوالله ما لبث أن نزل به الموت فلما حضر قلت له يا فلان إن فلانًا كان أوصى بي إلى فلان ثم أوصى بي فلان إليك فإلى من توصي بي، وما تأمرني قال: أي بني والله ما أعلم أحدًا بقي على أمرنا ءامرك أن تأتيه إلا رجلاً بعمورية فإنه على مثل أمرنا. قال: فلما مات وغُيب لحقت بصاحب عمورية وأخبرته خبري فقال: أقم عندي، فأقمت عند رجل على هدي أصحابه وأمرهم، قال: وكنت اكتسبت حتى كانت لي بقرات وغُنيمة، قال: ثم نزل وحل به أمر الله عز وجل فلما حضر قلت له: يا فلان إني كنت مع فلان فأوصى بي إلى فلان، وأوصى بي فلان إلى فلان، وأوصى بي فلان إلى فلان، وأوصى بي فلان إلى فلان فإلى من توصي بي وما تأمرني قال: أي بني والله ما أعلم أصبح على ما كنا عليه أحد من الناس ءامرك أن تأتيه، ولكنه قد أظلك زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب مهاجرًا إلى أرض بين حرّتين بينهما نخل به علامات لا تخفى، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل.

قال: ثم مات وغُيب، فمكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث، ثم مر بي نفر من كلب تجارًا فقلت له: تحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه؟ قالوا: نعم، فأعطيتهم إياها وحملوني حتى إذا قدموا بي وادي القرى ظلموني فباعوني من رجل من يهود.

فكنت عنده ورأيت النخل ورجوت أن يكون البلد الذي وصف لي صاحبي، فبينا أنا عنده قدم عليه ابن عم له من المدينة من بني قريظة فابتاعني منه فاحتملني إلى المدينة فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي فأقمت بها، وبعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم فأقام بمكة، أقام لا أسمع به بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق، ثم هاجر إلى المدينة فوالله إني لفي رأس عذق [اي النخلة] لسيدي أعمل فيه بعض العمل وسيدي جالس إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه فقال: فلان، قاتل الله بني قيلة والله إنهم الآن لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم زعم أنه نبي. قال: فلما سمعته أخذتني العرواء حتى ظننت أني ساقط على سيدي. قال: ونزلت عن النخلة فجعلت أقول لابن عمه ماذا تقول قال: فغضب سيدي فلكمني لكمة شديدة، وقال: ما لك ولهذا أقبل على عملك. قال: قلت لا شىء، إنما أردت أن أستثبته عما قال، وقد كان شىء عندي قد جمعته فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بقباء فدخلت عليه فقلت له: إنه قد بلغني أنك رجل صالح معك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة، وهذا شىء كان عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم، قال: فقربته إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "كلوا" وأمسك يده هو فلم يأكل. قال: فقلت في نفسي: هذه واحدة. ثم انصرفت عنه فجمعت شيئًا وتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ثم جئته به فقلت: إني رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية أكرمتك بها فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وأمر أصحابه فأكلوا معه قال: فقلت في نفسي: هاتان اثنتان، قال: ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ببقيع الغرقد قد تبع جنازة من أصحابه عليه شملتان وهو جالس في أصحابه فسلمت عليه ثم استدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي فلما رءاني رسول الله صلى الله عليه وسلم استدبرته عرف أني استثبت في شئ وُصِفَ لي. قال: فألقى رداءه عن ظهره فنظرت إلى الخاتم فعرفته فتكببت عليه أقبله وأبكي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تحول". فتحولت فقصصت عليه حديثي، ثم شغل سلمان الرقّ حتى فاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدر وأحد. قال: ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كاتب يا سلمان"، فكاتبتُ صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها [أي أغرسها] له الفقير وبأربعين أوقية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "أعينوا أخاكم"، فأعانوني بالنخل: الرجل بثلاثين ودية، والرجل بعشرين، والرجل بخمسة عشر، والرجل بعشرة يعين الرجل بقدر ما عنده. حتى اجتمعت لي ثلاثمائة ودية فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اذهب يا سلمان ففقّر لها فإذا فرغت أكن أنا أضعها بيدي". قال: ففقرت لها وأعانني أصحابي حتى إذا فرغت منها جئته فأخبرته فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معي إليها فجعلنا نقرب له الوديّ ويضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، فوالذي نفس سلمان بيده ما مات منها ودية واحدة. فأديت النخل فبقي علي المال فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المعادن فقال: "ما فعل الفارسي المُكاتب" قال: فدعيت له، قال: "خذ هذه فأدّ بها ما عليك يا سلمان". قال: قلت: وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي قال: "خذها فإن الله عز وجل سيؤدي بها عنك"، قال: فأخذتها فوزنت لهم منها والذي نفس سلمان بيده أربعين أوقية فأوفيتهم حقهم وعُتقت، فشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق ثم لم يفتني معه مشهد.